تسعى الكثير من المؤسسات والشركات إلى تحسين أدائها وزيادة كفاءتها في ظل انتشار التنافسية الشديدة والتغير المستمر في مؤشر الاقتصاد العالمي. ومع انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل واسع، أصبحت الأنظمة والبرمجيات الذكية حلاً ضروريًا لتبسيط عمليات إدارة الموارد البشرية وتحقيق أهداف الشركة بكفاءة.الشركات التي تتبنى أنظمة التحول الرقمي في أقسام مواردها البشرية أكثر استعدادًا لمواجهة أي تغيرات مفاجئة في ثقافة العمل لديها الإمكانية والمقومات اللازمة لتحسين قدرات الموارد البشرية فيها.
اقرأ في هذا المقال:
التحول الرقمي في إدارة الموارد البشرية يشير إلى منهجية تحويل العمليات التقليدية التي تعتمد على التواصل وجهًا لوجه واستخدام الأوراق الرسمية لكل إجراء بدءًا من وضع قائمة الرواتب ونظام الحضور والانصراف وإدارة عمليات التوظيف إلى البيئة الرقمية القائمة على التكنولوجيا والحلول التقنية المتطورة لتصبح مؤتمتة بالكامل وقائمة على البيانات التفصيلية مما يجعلها أكثر مرونة وسلاسة، حيث يشجع هذا التحول على إزالة الإجراءات اليدوية المعقدة واستخدام البرمجيات والتطبيقات المخصصة لتسهيل عملية التوظيف عبر الإنترنت وتحسين التفاعل بين الموظفين داخل بيئة العمل، والاعتماد على أنظمة الموارد البشرية مثل نظام (HRIS) الذي يستخدم في إدارة وتنظيم جميع العمليات المتعلقة بشؤون الموارد البشرية داخل الشركات من جمع وتخزين البيانات الخاصة بالموظفين مثل عمليات ( التوظيف – التدريب – نظام الأجور – إدارة الأداء).
يساعد التحول الرقمي لإدارة الموارد البشرية على تطوير طرق تفاعل الشركات مع موظفيها، حيث تتيح رقمنة حلول الموارد البشرية للشركات استخدام التقنيات الحديثة والتطبيقات الذكية لتحسين التواصل مع الموظفين وتبسيط عمليات التوظيف والتدريب والتقييم. كما أن التحول الرقمي يعد استراتيجية قوية لتحسين تجربة الموظفين ورفع مستوى رضاهم، مما يساهم في زيادة التزامهم بالمسؤولية تجاه الشركة ورفع مستوى إنتاجيتهم، بالإضافة أنها تقلل من حدوث الأخطاء البشرية والأعباء الإدارية، وتسهل إدارة العمليات الإدارية اليومية للموظفين، ويمكن توضيح أهمية التحول الرقمي بالنسبة للشركات ولإدارة الموارد البشرية بالتفصيل من خلال هذه النقاط:
وفقًا لإحصائيات أحد التقارير الذي تناولت الحديث عن مستقبل التوظيف توصل إلى أن 49٪ من المتقدمين لوظيفة، يرفضون عروض العمل المقدمة لهم بسبب مرورهم بتجربة مقابلة عمل سيئة، ويعود سبب هذه النتيجة إلى عدم توفر الاستجابة الفورية من مسؤولي الموارد البشرية. ووفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة بي دبليو سي وجدت أن 35% من الشركات اعتمدت أسلوب أتمتة التوظيف وتدريب الموظفين باستخدام الأدوات الرقمية لتحسين عملية التوظيف واستقطاب أفضل المواهب لها. وتلعب روبوتات الدردشة (chatbots) دورًا محوريًا في عملية التوظيف في ظل التحول الرقمي حيث تزيد من ثقة المرشحين في الشركة وتساعد مسؤولي الموارد البشرية في اتخاذ قرارات التوظيف بشكل أكثر دقة. كما أنها تقلل من الوقت المستغرق في إجراء المقابلات عن طريق أتمتة العمليات المتكررة، وتساعد على توظيف مجموعة متنوعة من المتقدمين دون تحيز.
في ظل الاعتماد على عمليات الموارد البشرية التقليدية، فإن البحث عن بيانات محددة للموظفين يستغرق وقتًا طويلًا وجهدًا شاقًا أحيانًا، وقد يحتاج الوصول إلى ملف معين ساعات طويلة، ولكن الموارد البشرية المستفيدة من الحلول الرقمية تعتمد على منصات مدعومة بالذكاء الاصطناعي وبالتالي تستطيع الوصول إلى قواعد بيانات مركزية ومحدثة باستمرار وخالية من أي أخطاء محتملة مما تقلل من العبء الوظيفي وتساعد على استخراج أي بيانات مطلوبة في دقائق محددة ببضع نقرات على الكمبيوتر دون الحاجة إلى تكدس المستندات.
الموظفون هم أهم رأس مال الشركة والتحول إلى رقمنة الموارد البشرية يساعد في تبسيط هيكل أنظمة التواصل والتفاعل الإيجابي بينهم وبين المديرين، وهذا عامل أساسي لزيادة الإنتاجية. فالأدوات الرقمية مثل الرسائل الفورية ومؤتمرات الفيديو، تعزز الشفافية وتساعد على الوصول إلى أرضية تفاهم وتواصل مشتركة بين جميع أفراد عمل الشركة وهذا يؤدي إلى تعزيز التعاون وحل المشكلات بفاعلية أكبر ويقلل الصراعات ويطور ثقافة العمل الإيجابية.
أصبح العمل عن بُعد شائعًا بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، ويساهم التحول الرقمي في إدارة هذه العملية بشكل أساسي، فمن خلال توفير أدوات التعاون الافتراضية تساعد على التواصل والتنسيق بسهولة بين أعضاء الفريق حتى وإن كانوا في أماكن جغرافية مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تمكن أنظمة إدارة الأداء من تقييم أداء الموظفين عن بُعد وتتبع تحقيق الأهداف بفاعلية. كما أن منصات مشاركة الموظفين تساهم في تحسين تجربة الموظف المهنية وتمكينه من الوصول إلى المعلومات والموارد والتواصل مع زملائه والمساهمة في العمل بشكل فعال من أي مكان.
تساعد التقنيات الرقمية الحديثة مسؤولي الموارد البشرية في البقاء على الاطلاع بآخر التطورات في قوانين العمل واللوائح، كما تساعد أتمتة عمليات الموارد البشرية على امتثال الموظفين لسياسات وإرشادات الشركة، وبفضل تزويد هذه التقنيات بآليات الذكاء الاصطناعي ودمجها بميزات أمان عالية يمكنها أن تعمل كمستشعر للتنبؤ بأي محاولة اختراق في إدارة بيانات الموظفين مما يجعلها وسيلة ممتازة في إدارة المخاطر.
عندما تواجه إدارة الموارد البشرية صعوبة في اتخاذ قرارات خاصة بشؤون الموظفين والإدارة، فالسبب الأساسي وراء هذه المشكلة هو نقص التحليل العميق وعدم توافر رؤى واضحة للبيانات، ولكن بالاستعانة بأدوات الموارد البشرية الرقمية يمكنها توفير أكبر قدر ممكن من المعلومات الخاصة ببيئة العمل الداخلية والتي تساعد المسؤولين على وضع استراتيجيات أفضل واتخاذ قرارات حكيمة ومدروسة لصالح الشركة وفريق العمل.
يمكن لإدارة الموارد البشرية خلق تجربة موظف مميزة ومتكاملة تدعم احتياجاتهم المتغيرة وذلك بفضل التطبيقات الرقمية القائمة على السحابة وأتمتة العمليات التي تساعد على إطلاع موظفيك بأحدث القرارات ومشاركتهم فيها أول بأول مما يساعد على تسريع وتيرة العمل، بالإضافة أن هذه العمليات الرقمية يمكنها رصد أي عوائق تؤثر على إنتاجية وكفاءة الفريق والعمل على حلها مما يؤدي في النهاية إلى بيئة عمل مرنة تتسم بالاستقرار والابتكار وموظفون سعداء أكثر ولاء للشركة.
رقمنة الموارد البشرية لا تقلل فقط من الجهد البشري المبذول على العمليات المتكررة، بل أيضًا تستثمر في العامل الزمني حيث تضاعف من تركيز الموظفين على أداء المهام الحيوية وبالتالي تحسن من العمليات الداخلية لقسم الموارد البشرية، والاعتماد على نظام الأتمتة يمكن تخفيض تكلفة العمالة وتحسين دقة وسرعة التنفيذ.
بالرغم من الفوائد العديدة التي تعود على الشركات وجميع أفرادها نتيجة التحول الرقمي لمواردها البشرية، إلا أن هذا التحول لن يحدث بين عشية وضحاها، فهناك العديد من التحديات التي يمكن أن تصبح عائقًا في إتمام عملية أتمتة الموارد البشرية يجب على الشركات الإلمام بها قبل السير في هذه العملية التحويلية
وصف تقرير ديلويت الخاص باتجاهات رأس المال البشري لعام 2017 هذه المعوقات بـ “إنها تحديات مزدوجة تتطلب من فرق عمل الموارد البشرية تحويل عمليات الموارد البشرية من جهة، وتحويل القوى العاملة وطريقة العمل من جهة أخرى.”
ليس من السهل الانتقال من واقع الحلول التقليدية إلى بيئة عملية متطورة رقميًا. لكي يتم استخدام التقنيات الرقمية في إدارة الموارد البشرية فهناك 6 مراحل يجب اتباعها بعناية وتخطيط متقن لتحقيق النجاح.
هذه المرحلة تسير وفق النظم التقليدية التي اعتادت عليها الشركة للمحافظة على الوضع القائم، فالسجلات الورقية والمكالمات الهاتفية والعمل من موقع الشركة يوميًا هم المتصدرين لمشهد الموارد البشرية، وفي هذه المرحلة تكون صلاحيات إدارة الموارد البشرية ضعيفة وتستغرق وقتًا كثيرًا وتكثف جهودًا مضاعفة لإعداد استراتيجيات الاحتفاظ بالموظفين.
في هذه المرحلة، يدرك مسؤولو الموارد البشرية والمديرون الحاجة إلى تطور أساليب التوظيف والمحافظة على الموظفين الحاليين وتحسين كفاءتهم بالاعتماد على التقنيات والأدوات الرقمية، ولذلك يتم القيام بتجربة أولية للتحول الرقمي وتقييم مدى استفادة الموارد البشرية منها والعائد على الشركة بشكل عام.
يتم في هذه المرحلة اعتماد التكنولوجيا الجديدة وتطبيق المنهجيات الرقمية في جميع مجالات الموارد البشرية، وهذا الوقت المناسب لاتخاذ قرارات جذرية ومدروسة لتحويل عمل الشركة بالكامل.
هنا يتم دفع عملية التحول الرقمي وترسيخها في إدارة الموارد البشرية عن طريق تحديد خارطة طريق استراتيجية قائمة على أتمتة جميع عمليات الموارد البشرية، وفي هذه المرحلة يتم تحديد الأدوار وتكاثف جهود جميع الفرق والأفراد لتحقيق نجاح التجربة الرقمية، ويتم استخدام التحليلات التفصيلية لتحسين أداء فريق العمل وزيادة إنتاجيته.
بحد تحديد الاستراتيجية الجديد وتخطيطها، يتم تدريب فريق عمل متخصص لقيادة الاستراتيجية الرقمية للشركة وتوجيه الأعمال المحددة نحو هذه الاستراتيجية لتحقيق أهدافها.
هذه المرحلة التي يتم فيها الانتهاء من دمج كافة أنشطة الأدوات والمشروعات الرقمية مع ثقافة وسياسة الشركة، حيث يصبح التحول الرقمي من النهج الأساسي للشركة ويمكن ابتكار مسارات تكنولوجية أكثر تطورًا على مدار الوقت.